الكل يتحدث عن الإرهاب ويرفع سيف الإرهاب.. اختلطت الأوراق وأصبح السؤال الصعب والمحير، بل والمستحيل أحيانا، من هو الإرهابي.. من هو الظالم ومن المظلوم.. من المعتدي ومن المعتدي عليه.. من يرهب من؟!!

الفلسطيني الذي سرقت أرضه ونسفت بيوته ودمرت ممتلكاته.. حتي شربة الماء مد اليهود الأنابيب من تحت الضفة وسحبوها وعبؤوها في زجاجات وباعوها له وهو صاحبها.. ثم طردوه واعتقلوه وألقوا به في السجون.. حتي إذا ضاقت به الدنيا ولم يجد سوي جسده يفجره في وجه سجانه.. قالوا هو إرهابي مجرم أثيم.. وما الاستشهاد إلا الإرهاب الإسلامي بعينه.. وهم وحدهم الإسلاميون هم الإرهابيون بعينهم.. والسؤال.. من كان يرهب الآخرين طول الوقت.. ومن كان يملك طائرات الـ إف16.. ومن كان يمطر الفلسطينيين بالقذائف والمتفجرات من السماء.. ومن كان يسقي الآخر الذل والصاب والعلقم والهوان.. ومن كان يضع الموت في عبوات من القنابل والصواريخ للآخرين؟!

وحينما انفتحت طاقة في السماء ووقف الزعيم الهندي ايتال بهاري فاجباي يندد بالإرهاب الإسلامي وبما يفعله مسلمو كشمير في الهند.. طار إليه وزير خارجية إسرائيل شيمون بيريز في كوكبة من الخبراء الإسرائيليين ليشد علي يده ويقول له أحسنت.. نحن معك .. جاء الوقت لنضم الأيدي معا لنقضي علي هذا السرطان الوليد الذي اسمه الإرهاب الإسلامي.. ولم تجد اليد التي مدها برويز مشرف إلي فاجباي طالبا السلام.. وكان رد فاجباي باردا ثلجيا..

عليكم أن توقفوا هذا الإرهاب الكشميري أولا.. أنتم كنتم البادئين.. وعليكم أن تسلموا القتلة الذين قتلوا البرلمانيين الهنود.

وعند الهند مفاعل نووي.. وعند إسرائيل مفاعل نووي.. وفي باكستان مفاعل نووي.

من يرهب من..؟!! من الجناة ومن الضحايا؟!

الإرهاب وصل إلي عنان السماء.. والتهديدات تنهمر من كل الجهات وكلها كوابيس..

والعالم يخطو علي ألغام مرعبة..

وما تفعله إسرائيل هو الإرهاب بعينه.. وهي التي تريد أن تشعل البركان.. وتشيع العالم العربي والإسلامي إلي مثواه الأخير..

انها تصرخ وتولول من أجل سفينة عراقية بها أسلحة مرسلة إلي فلسطين..

والأسلحة التي تعرضها وتولول بها في كل الفضائيات هي مدافع هاون وصواريخ عادية.. بينما هي تملك في ترسانتها قنابل نووية وصواريخ كيميائية، وعازات سامة قاتلة، وكوارث فلكية من كل نوع ودواه ومصائب من كل لون..

ما هي الحكاية بالضبط؟

إذا كانت تريد أن ترهبنا وترهب العالم الإسلامي.. فإني أقول لها إن الموت قادم دون حاجة إلي هذه الترسانات الغبية التي تهدد بها.. وإن إسرائيل بذاتها جاءت إلي الدنيا بأمر الله، وسوف تنتهي بأمره، ولن تستطيع أن تمد في عمرها لحظة.. وأنه حتي الدول الكبري لها في التاريخ دوام محدود ولها آجال ولها بداية ونهاية ولا شيء يخلد إلي ما لا نهاية.

وجميع ترسانات إسرائيل لن تقصف عمر إنسان واحد قبل أوانه.

والمسلم المؤمن لا يخاف هذا التهريج فهو يؤمن إيمانا قاطعا بأنه جاء إلي هذه الدنيا بأمر الله وإرادته وتوقيته، وأنه يخرج منها بأمره وإرادته وتوقيته.. وليس بأمر شارون ولا بتوقيت بيريز، ولا بهذه الرصاصة أو تلك.. إنما هي أسباب والله وحده هو مسبب الأسباب.

جفت الأقلام وطويت الصحف وانتهي الأمر..

هذا ما يقوله المؤمنون العالمون العارفون.. وهذا ما يردده الدراويش الهائمون والصوفيون المهيمون.. وهذا ما يقوله ربنا في قرآنه.. وهذا ما يقوله التاريخ في مدوناته.

ولهذا لا يخشي المسلم المؤمن أحدا.. ولا يخاف أحدا.. ولا يسأل أحدا..
ولا يتوسل ولا يتسول وكل ما يرهب الآخرين لا يرهبه.. وكل ما يتقاتل عليه الناس لا يعنيه ثابت الخطوة يمشي ملكا..

هذا خلقه وطبعه.. لا يملك مصيره إلا خالقه.. هكذا أرادنا الله ملوكا علي الأرض وعبادا خاضعين لأمره عارفين لعظمته.. وهكذا استقر في وجدانهم.. وهكذا يفكرون.. ولكن هذا الكلام الذي يردده الدراويش هو كلام المهيمين المغيبين خارج مسيرة الجغرافيا والتاريخ.. وهم قبيلة من الحالمين الذين لا يقدمون ولا يؤخرون شيئا في مسيرة الدنيا.. وهذا ما يقوله أهل الواقع ودهاة السياسة.

انهم هوامش المنشدين والمرتلين وحملة المجامر والمباخر.. وليسوا بالقوي الفاعلة ولا بالقوي العاملة في مسيرة الإسلام والمسلمين.

ولو تصورت إسرائيل أن هذا حال كل المسلمين لما أعدت لهم رصاصة واحدة.. ولما جيشت لهم الجيوش.. ولما حشدت لهم الترسانات.. تلك قبيلة هائمة مهيمة تعيش في أحلامها وصلواتها..

ولكن الدول الكبري لها مسيرة أخري، ولها حسابات أخري.. ودهاة السياسة لهم فهم آخر ومكر آخر وتدبير آخر وتخطيط آخر.. وحكومات الصين واليابان وروسيا وأمريكا وشعوب أوروبا التي تتقاتل علي الدولار والمارك واليورو والين.. وقادة البنتاجون الذين يجتمعون وينفضون حول مدار الساعة وأهل الواقع الذين يعيشون في حسابات الواقع وأرقامه.. والباحثون المنقبون عن البترول والذهب واليورانيوم وجميع مصادر الثروة والطاقة.. لهم شأن آخر ولهم هموم أخري.. انهم قبائل أخري مسلحة حتي الأسنان.. تتقاتل علي كل شبر أرض.. وتتسابق علي كل برميل نفط.. والأمريكان والروس ودول أوروبا وشعوب الصين وآسيا.. والحكومات التي تدير شئونهم ومصالحهم لا شك مهمومون بمسائل أخري.. ومشغولون بتقسيم التورتة لتفوز كل دولة بنصيب الأسد لحكامها وشعوبها..
وهم يقسمون العالم من الآن إلي مناطق نفوذ وإقطاعيات وغنائم.. بترول بحر قزوين الذي خاضت أمريكا حربها الأخيرة في أفغانستان من أجله.. هو الآن رأس القائمة..

وكان وراء الأكمة ما وراءها.. والآن اجتمعت الأطراف لاقتسام الغنائم والتخطيط للمصالح المقبلة ونهب كل ما يمكن نهبه.. والترسيم والتقسيم لسنوات وآجال قادمة..

وعلي مائدة العماليق الكبار وقفت الدول الأتباع وأصحاب الألقاب الأصغر والنياشين الأصغر في انتظار ما يتبقي من عظام ومخلفات وفتات يقع تحت الموائد.

ومن الأبواق الضخمة ومكبرات الصوت.. والبيانات الرنانة.. والتصريحات الطنانة.. مازالت تتدفق الكلمات الكبيرة عن الإرهاب وعن جماعات الإرهاب.. وعن الدول المارقة.. الصومال والعراق والسودان واليمن.. وأكثرها دول فقيرة معدمة لا تجد القوت.

وترتفع النبرة ويزداد الصوت خشونة حينما يأتي ذكر الإرهاب الإسلامي والعياذ بالله!!

وتسري الرجفة في أوصال العالم.. ولا يدري الفقراء.. متي يخرجون من هذه الكوابيس.. ويتساءل الكل وهم ينظرون في أعين البعض..
من يرهب من؟!! وتتسع العيون البريئة..

وينظر كل واحد إلي الآخر في اتهام وهو مازال يسأل.. من يرهب من؟!

وتتماسك الأيدي.. والكل مازال يسأل.. والجيوب فارغة والكل خالي الوفاض.. ويتلفت كل واحد خلفه..

عمن يتكلم الكبار؟!

أين هؤلاء الذين يرهبون العالم؟!!

وترتفع الأصوات تهدد..

وترعد التصريحات.. وتتوعد..

وتنظر العيون الزائغة بعضها إلي بعض.. ولا تبقي إلا علامات استفهام.. وتعجب..

إذ لا يوجد أحد في القاعة الكبيرة.. إلا أيتام العالم..